ایکنا

IQNA

حفظ اللغة العربية.. إعجاز القرآن البين

9:09 - January 18, 2023
رمز الخبر: 3489551
عواصم ـ إکنا: تنفرد اللغة العربية بكونها اللغة الوحيدة، من بين سائر لغات البشر وهي بالآلاف، التي حافظت على مدى يفوق 14 قرناً على أهم بنياتها (المعجمية، الصرفية، النحوية..)، الأمر الذي يضمن فهم معاني ما كتب بها على امتداد هذه الفترة. ‏

ويعود استقرار اللغة هذا إلى كونها لغة القرآن، فالقرآن العربي اللسان هو السبب في حفظها بحيث يمكن لمتكلم اليوم أن يقرأ فيفهم النص المكتوب بلغة تَداولها الناس مند فجر الإسلام.

اللغة العربية لغة القرآن

إن كان من الواضح البين أن كل الألسن تتطور، بل تنشأ وتنمو وتشيخ وتموت، وقد تُنجب أو لا تُنجب، فكيف للسان العربي الذي نشأ واكتمل في مدة وجيزة أن يحافظ على ما يلزم لحفظ الذكر الذي أُنزل به بيّنا مفهوما على مر الأزمنة والعصور؟

ويقول الله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر: 9). ويقتضي معنى الآية فيما يقتضي حفظ اللسان العربي الذي أُنزل به القرآن بحيث يتسنّى لقارئه فهم حُكمه ومعانيه على مر العصور والأزمنة، فجدوى القول لا تتم إلا بفهم حُكم ومعاني القول وعقلها واستيعابها، ولا يتم ذلك إلا بحفظ اللسان الذي قيل به القول واستقراره رغم ضرورة تطور الألسن تطورا بات من سنن الله مند تكلم بنو آدم وتواصلوا.

إن وجود القرآن هو سبب تحديد اللسان العربي الذي جاء به، ونعت "العربي" في هذا السياق ليس انطلاقاً من اعتبار قومي وإنما هو باعتبار اللسان الذي جاء به القرآن.

وتتجلى علاقة القرآن باللسان العربي بينة فيما لا يقل عن 14 من آياته منها مثلاً: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف:2). فالقرآن عربي قطعا وحُكم القرآن، أي ما يعنيه، عربي: "وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا" (الرعد:37).

وهكذا، أكرم الله اللسان العربي بإنزاله كتابه المبين إلى العالمين به، وكَتَب له الحفظ إلى أن يشاء من دون تغيير أو تحويل أو تحريف أو فقدان، خلافا لما أصاب التوراة والإنجيل والألواح وما أصاب صحف إبراهيم وموسى، التي فقدت.

نشأة اللغة العربية

يعود ظهور اللغة العربية لما قبل الإسلام بـ3 قرون تقريبًا. وأقدم كتابة باللغة العربية، عثر عليها إلى يومنا، تعود إلى سنة 328 من التقويم الميلادي، وهي نقوش نَمَرَة’ المكتوبة بالأبجدية النبطية.

يقول المستشرق الفرنسي إرنست رينان بصدد نشأة العربية: "من بين المسائل التي يطرحها الظهور غير المتوقع لوعي جديد في الإنسانية، الأكثر غرابة والأقل قابلية للتفسير، هي اللغة العربية نفسها. هذه اللغة، غير المعروفة سابقا، تظهر لنا فجأة في منتهى الكمال، بمرونتها، بغناها الذي لا حصر له، لغة في أبهى درجات الكمال. وبعبارة واحدة، منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، لم تخضع (هذه اللغة) لأي تعديل ذي أهمية. فليست لها طفولة ولا شيخوخة… لست أدري إذا كان هناك مثال آخر عن لغة تأتي إلى هذا الكون بهذه الطريقة: دون حال بدائي، دون أحوال تحول، دون محاولات تحتمل الخطأ أو الصواب".

وبعد تمكن الإسلام من العرب، أصبحت لهم لغة واحدة هي تلك التي جاء بها القرآن. وكان لوجوده بالغ الأثر في توحيد اللغة وتثبيت قواعدها، فالقرآن كان ولا يزال هو المرجع والأساس لقواعد اللغة.

استقرار اللغة العربية وحفاظها على بنيتيها الصرفية والنحوية

بعد ذلك تحدّدت البنيتان الصرفية والنحوية للغة العربية ثم استقرتا، فكتب الحفظ للّسان الذي أُنزل به القرآن لأنه لا يُفهم كلام أو كتاب إلا ما دامت اللغة التي أتى بها مفهومة متاحة القراءة.

ويتعين ‏الانتباه هنا إلى مفهوم "الحفظ"، حفظ الذكر. فقد تطرق المفسرون على العموم إلى "حفظ النص" ولكن حفظ الذكر يعني "حفظ النص والمعنى المقصود بالنص"، وهو ما يستلزم حفظ لغة النص. وإذ إن حفظ الشيء يتجلى في بقاء الشيء على ما هو عليه بمرور الزمن فإن "حفظ اللغة" لم يكن ليتجلى إلا بعد تعاقب قرون عديدة لأن اللغة قد تصمد دون تغير عميق 5 قرون ولكنها، على العموم، تتحول جذريا بعد تعاقب ألف عام. لذا، لم يكن "حفظ اللغة لحفظ معنى النص" ليتجلى إلا منذ بضعة قرون.

‏تتميز اللغة العربية بنظام إعراب وقد احتفظت بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى، وتتميز بصيغ اشتقاق الأسماء من جذور وقد احتفظ اللسان العربي بمعظم الصيغ الاشتقاقية كمصدر الفعل واسم الفاعل… وتتميز بنظام صرفي شبه هندسي، كما أنها احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة… وقد ثبت تصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال واستقرت هذه البنيات دون تغير على مر العصور. اللغة العربية تمتاز اليوم، في استثناء فريد من بين سائر اللغات، باستقرار بنيتيها الصرفية والنحوية.

وتتطور اللغة العربية من حيث أساليبها وما يُستَعمل من معجمها ومصطلحاتها، حسب الزمان والمكان، بل إنها تنجب لهجات عدة ولكنها ثابتة راسخة من حيث نحوها وصرفها وطبيعة تركيبها اللفظي وهذا جوهر اللغة. وهذا سر فهمنا لمعاني كتاب أُنزل منذ ما يزيد على 14 قرنا في حين لا نفهم مؤلفات كتبت بلغات أخرى لا يزيد عمرها على 5 قرون كمؤلفات رابلي (1494-1553) أو شكسبير (1564-1616).

تطور الألسن من سنن الله

تتطور الألسن بمرور الزمن فهي ككل المخلوقات تولد وتنمو وتموت. فبعد نحو 7 قرون (من نحو 1200 إلى حوالي 1900) تحولت اللغة الفرنسية القديمة، سليلة اللغة اللاتينية على الخصوص، إلى الفرنسية الحالية. وهي تقريبا المدة نفسها التي تطلبها الانتقال من الألمانية العالية إلى الألمانية الحديثة. والألمانية المعاصرة تختلف عن لغة غوته، والإنجليزية اليوم في أميركا تختلف عنها في بريطانيا أو أستراليا وتختلف هذه اللهجات عن لغة شكسبير، وهكذا… لغات كثيرة سادت ثم بادت، ومن المتوقع أن يشهد قرننا انقراض ما لا یقل عن 3 آلاف لغة.

‏ثبات اللسان من إعجاز القرآن

إن ثبات اللسان العربي، بحيث بقى النص القرآني بمعناه وحكمه المتاحين للقارئ على مر العصور، ظاهرة خارقة للعادة، لا مثيل لها. وإذ من الواضح أن نزول القرآن بهذا اللسان هو السبب في وقوع هذا الاستثناء، فإن ذلك من إعجاز القرآن البين الواضح. فلم يسبق لأي كتاب أن أثبت لسانا لمدة تمتد ولو لنصف ما تحقق للقرآن مع اللغة العربية. ولو جاؤوا بكتاب يدعون أنه مثله فلن يُثبتَ لسان كتابته أبدا نظرا لضرورة تطور الألسن ولضرورة إيمان أمة بحجم أمة الإسلام بضرورة قراءة ذلك الكتاب والعناية به لتحقيق مستوى تداول يضمن بقاء لسانه. أليس في هذا آية بينة من آيات الله؟

بقلم الأستاذ الباحث في الرياضيات "خالد سامي"

المصدر: الجزيرة نت 

captcha