ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

البخل باعثٌ على مساوئ جَمّة

10:16 - June 12, 2023
رمز الخبر: 3491519
بيروت ـ إکنا: البخل باعثٌ على مساوئ جَمّة، وأخطار جسيمة في دنيا الإنسان وأُخراه، وقد ذكرت النصوص الشريفة أن الجنة حرام أن يدخلها البخيل، وإن لم يكن من أثر للبخل في الآخرة إلا هذا الأثر لكفى، وأي أثر أعظم من أن يُمنَعَ البخيل من دخول الجنة؟!

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بَشِّرْ مالَ الْبَخيلِ بِحادِثٍ أوْ وارِثٍ".

والبخل: من الصفات الذميمة، والأخلاق الخسيسة، الموجِبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه، وقد عابه الإسلام، وحذّر المسلمين منه تحذيراً شديداً.

فهو باعثٌ على مساوئ جَمّة، وأخطار جسيمة في دنيا الإنسان وأُخراه، وقد ذكرت النصوص الشريفة أن الجنة حرام أن يدخلها البخيل، وإن لم يكن من أثر للبخل في الآخرة إلا هذا الأثر لكفى، وأي أثر أعظم من أن يُمنَعَ البخيل من دخول الجنة؟!

وأما آثاره الدنيوية فحدِّث عنها ولا حرج، ويكفي أن البخل مذموم من الله ومن الناس، وأقلّ آثاره أنه سبب لِمَقت البخيل وازدرائه والاستهانة به والإعابة عليه من القريب والبعيد، وتظلُّ المواقف السلبية من البخيل تتصاعد وصولاً إلى تمَنّي مَوته مِن قِبَل أحبِّ الناس إليه، لحرمانهم من العيش الكريم، وهم الذين يتوَهَّم أنه يحمي مالَهم ببخله عليه، ويُبقيه لأيّامهم السوداء.

هذا أثره على من يعايشون البخيل، فأما أثره على البخيل نفسه فهنا العَناء والشقاء المُؤَبَّدين، وهنا البلاء الأعظم بمرض نفسي خطير، وداء يصعب البرء منه إن استحكم في النفس.

البخيل يكدح في جمع المال بتوهُّم أنه لن يعيش حياة رغيدة إلا بما جمع فإذا به يصير عبداً لما يجمع، يشقى بالجمع ليكثر ماله، فإذا به لا يستمتع به، يحسب نفسه غنياً بما في جيبه فإذا به يعيش تحت خط الفقر، لا يستفيد من ماله لحاجاته وهي كثيرة، ولا يستمتع به في حياته، فهو من أخسر الناس عملاً وأتعسهم حالاً.

وقد تَعَجَّب الإمام أمير المؤمنين(ع) من حال البخيل فقال: "عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الآخِرَةِ حِسَابَ الأَغْنِيَاءِ".

وفي الجوهرة الكريمة التي نحن بصددها يقول (ع): "بَشِّرْ مالَ الْبَخيلِ بِحادِثٍ أوْ وارِثٍ" وفي هذا القول من البلاغة ما فيه، وفيه توصيف دقيق للمال الذي يتوهَّم البخيل أنه يجمعه لنفسه، فإذا به يجمعه لغيره من حوادث وورثة، وإذا كانت البشارة هي الخبر السَّارُّ، والتبشير إلقاء ذلك الخبر لمن يتعقَّل السُّرورَ، لكن الإمام (ع) يستعمل المفردة هنا استعمالاً مجازياً على وجه الإنذار والتّهكُّم، وفيه إهانة للبخيل وتبكيت له، لعدم بذله المال أو الاستفادة منه في التوسعة على نفسه وعلى من يعول، وفي التشبيه العَلَوِيِّ تقرير لما يكرهه البخيل ومواجهته بما يفِرُّ منه ببخله وهو الخوف أن يخسر ماله، فإذا به يخسره  لا محالة.

إن من لا ينفق ماله فيما ينفعه في دنياه وآخرته، ويشحّ به على نفسه وعياله ظَناً منه أنه بذلك يحفظه من النقصان والضياع فهو واهم وحسب، إذ لا بُدَّ أن يواجه ثلاثاً من الأمور المحتومة التحقُّق: أولها: أن يعيش حياة الفقر والحاجة رغم ما يكنزه في خزائنه، وثانيها: أن تُهلك الحوادث ماله، سواء كانت حوادث اقتصادية، أو طبيعية، وثالثها: أن يموت فيرثه الورثة من غير عناء ولا كَدٍّ ولا تعب، فلا ينال هو من ماله إلا التعب في جمعه، والمحاسبة عليه في آخرته وتلك أسوأ العواقب وأكثرها مدعاة للتحسُّر والأَلَم، وهل هناك أسوأ من أن يفقد البخيل المال الذي شغل حياته كلها في جمعه وتكيسه وامتزجت حياته بالخوف الدائم عليه والقلق من ضياعه، وحَرَم نفسه وعياله من أبسط وسائل العيش الكريم خوفاً عليه من النقصان فإذا بالحوادث تأكله، أو الورثة يرثونه ويبددونه انتقاماً من بخله، ولن يكونوا شاكرين له بحال من الأحوال، بل يتعاملون مع المال كغنيمة غنموها بعد صبر طويل ومعاناة مديدة، وسيشكرون الله على موته إذ يرون أن خازناً صارماً قد انزاح عن قلوبهم بعد أن ربض طويلاً عليها.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

facebook

whatsapp

captcha